Sunday, December 28, 2008

أن نتكلم عن غزه

منذ صباح اليوم وأنا أقنع نفسي بأنه يجب أن أكتب حتى لو كنت مكتئبة، و حتى لو كانت نفسي مسدودة تمامًا ولا أريد أن أنطق بكلمة، فهذا أضعف الإيمان، فلو الكل أصيب بسكتة كتابة وصمت، و حتى التعاطف و المؤازرة والمساندة لهم لن يجدوها ولن نقدمها، بدعوى أننا متأثرين؟؟! فما هو ضرورة وجودنا أصلاً هنا.


الصراحة أن السبب الثاني لعدم رغبتي في الكلام هو ماذا أقول؟؟


فلا يوجد أي كلام يقال:


شجب – إدانة: ليسوا بجديد مطلقًا.


تحسر – لوعة: أخذت أفكر كم مرة منذ بدأت أفهم ما يحدث حولي و عرفت معنى أن تجتاح إسرائيل أرض عربية، شعرت بذلك و ماذا فعل هذا الشعور؟ لا شيء.


صراح واتهام بأن ما يحدث حرام: لقد أصبح ذلك ممل حقًا.


اتهام الحكومات العربية وعلى رأسها حكومة بلدي بالخيانة: كل طفل يسير على أرض عربية يعرف ذلك فما الجديد بأن أكتبه هنا.


القول إنني محرجة من موقف بلادي: نعم أنا محرجة ولكني محرجة أصلاً من إحراجي هذا ولذلك لا أجرؤ أن أقولها.


اتهام ضمير العالم بالنوم وأطالبه بأن يصحو: ضمير العالم مات و الأمل في أن يصحو الأموات قبل القيامة تغفيل، وأنأى بنفسي أن أكون أيضًا مغفلة.


وفي النهاية وجدت الحل..


فكرت بصراحة أن أدخل لأوجه كلمتين محشورين في حلقي و لم يصلح أي حامض أو قلوي بأن يجعلني أبتلعهم، سأوجههم لأكثر من يثيروا ضيقي وغضبي في هذه الأزمة، و العجيب إنها ليست إسرائيل (فهي عدو حقير هذا أقل ما هو متوقع منها وهذا مفهوم وطبيعي) .


ولا الحكومات العربية (وماذا بعد الخيانة؟ إذا كانوا خونه فهل يفيد اللوم في مواقف؟).


و لا حتى فتح وعملائها (هؤلاء فضيحتهم أصبحت أعلى من أن يتكلم عنها أحد).


ولا حماس كما يفعل البعض بتأكيد فهذا ليس وقت لوم حماس بأي حال حتى لو هناك انتقادات موجه لها، هذا وقت التضامن معها وخلفها فقط إلى أن تنتهي هذه الأزمة.


الحقيقة أن الكلمتين لبعض أفراد الشعب الذين ما أن تحدث مثل هذه الضربات، حتى أجدهم يبدءوا في التحليل و إتباع سيناريو محفوظ لا يحيدون عنه:


يكلموك عن كيف أن الفلسطينيين يستحقوا ما يحدث لهم، وإنهم يتقاتلوا سويًا و لا يدافعوا عن أرضهم، ثم يسألك محدثك مستعجب أندافع نحن عن أرضهم؟


ثم يجب أن يمر بك عبر الحوار المعتاد عن ضريبة الدم التي دفعتها مصر للعالم العربي-و يجب أن يلحقوا هذه الكلمة بجملة (ألي ميستهالش)- وأن هذه الضريبة دفعناها وحدنا ولم ينفعنا أحد، وكلهم سعى لمصلحته بينما نحن بقينا حاملين القضية حتى أثقلتنا وأخرتنا و أرجعتنا للخلف.


ثم تبدأ التصايح بأن ننظر للحال الداخلي لمصر و أن الاهتمام بمصر أهم ، وكفانا حماقة في الحديث عن العرب .


ثم تجد المتكلم ينفعل و يتدفق الدم في رأسه ليلاحقك بسرعة (ألم يبيعوا أرضهم لليهود)، ثم تهدأ نبرة صوته قليلاً ليبدأ قليل من مصمصة الشفاه و التحسر وهو يضيف (يا عم ده الفلسطينيين أغنى منا).


وطبعًا طبعًا يجب أن ينهي الفرد من هذا الكاركتر جملته بالجملة المحفوظة (الله يرحمك يا سادات كان راجل، أهم ماسمعوش كلامه لما قالهم يدخلوا معاه في الاتفاقية أهم ما خادوش حاجة لحد دلوقتي).


وربما لو كان يملك مزيد من السادية حكى لك قصة محل الحلاقة التي حكاها احمد زكي في فيلم أيام السادات فأصبحت حُجة لكل من يريد أن يبرهن على صحة ما يقول.


و بالطبع بعد أن أسمع هذه الخطبة العصماء يكون أمامي حل من ثلاثة :


- إما أن أبدا نقاش محكوم عليه بالفشل لأنني اكتشفت بالتجربة أن أمخاخ حافظي هذه العريضة لا تتمتع بأي قابليه للنقاش، فهم يحفظونها عن ظهر قلب ويسمعونها لدى الحاجة بلا أي تفكير .


- أو أنبري في عصبية وصراخ واحتدام موقف وغالبًا خناقة لن تعود علي سوى بمزيد منن ارتفاع الضغط وسيخرج هو سعيد بأن يقول أن الصوت العالي دليل على ضعف الحجة (وكأنه ليس دليل على ارتفاع الضغط).


- أو أن انظر بإزدراء وتعبير وجهي يدلل على القرف، أضع به كل مهارتي لأجيد إظهاره وأقلب شفتي باشمئزاز و أستدير لأغادر دون أي كلمة، لأن ما يقال أقل من أن يستحق أن أرد عليه في ظروف كهذه و الجميع يشاهد جثث عرب ومسلمين تملئ الطرقات ويملكوا البال والمجهود لهذه السفسطة ..


وقد اثبت هذا الحل نجاحه التام..


و لكني بما أنني في حاجة لأن أكتب هنا أي شيء لأقول فقط لأهل غزة أن قلبي معكم ..


فلم أجد أفضل من أتكلم وأوصل هذه الرسالة إلى مستحقيها.


عزيزي القارئ لو كنت من النوعية التي تكلمت عنها في أعلى ، فمن فضلك قدم لي خدمة كبرى.


و أخرس


فإن صمت أفضل هدية تقدمها لهؤلاء الشهداء السابقون واللاحقون.


وعذرًا أهل غزه فليس في مقدوري أن أقدم أنا الأخرى سوى الصمت.