Saturday, April 26, 2008

إسراء بين المنظرين و المحبطين و المتربصين.

رأيت -مثل الألوف وربما الملايين- لقطات إخلاء سبيل إسراء عبد الفتاح ، الحقيقة إنني عرفت الخبر قبل رؤية الفيديو بالطبع عندما وصلتني رسالة جماعية من جروب (القلة المندسة) على (فيس بوك) تخبر الجميع بخروج إسراء ، ثم تعقيب بسيط يطلب من الجميع ألا يغضب مما قالته و أن يقدم لها الأعذار بسبب ما رأته أو هُددت به في الحبس دعتها لقول ذلك، لذا أخذت أبحث عن الفيديو عبر (اليوتيوب) وغيرها من المواقع إلى أن وجدته.

وبعد أن رأيت الفيديو لم أشعر سوى بالإشفاق التام ، لم أأخذ أيًا من الكلمات التي قيلت بمحمل التخلي أو تغير الأفكار أو الانقلاب على الموقف أو أيًا من هذه الآراء التي سمعتها بعد ذلك، وتعجبت بشدة مما قاله مُرسل الرسالة والأعذار التي أخذ يقدمها عن إسراء مقدمًا ،وأنا أتساءل من يمكنه أن يَحمل على الفتاة بسبب ما قالته؟؟

ولكني اكتشفت –كالعادة- إنني حمقاء فبمجرد أن بدأت في تصفح مواقع الأخبار وبعض المدونات والردود التي نشرت على بعض المدونات الأخرى صُدمت ، كثيرين بالفعل حانقين غاضبين على الفتاة بشكل غير منطقي يتهموها بكل التهم الممكنة التي سبق و أن ذكرتها وربما أكثر من ذلك ، بل كثيرين تكلموا عن كيف أنها كانت بطلة تخلت عن الجميع ، والبعض قال أننا من نصع الأبطال وهم ليسوا كذلك فيخذلوننا ،والكثير والكثير من الكلام المتنوع بين الغضب والحنق والإحباط .

بحثت في داخلي عن ما هي مشاعري، فلم أشعر مطلقًا بأي حنق على الفتاة مثلما حدث مع البعض ، الخوف شعور إنساني طبيعي وأي إنسان يملك شعور كان يمكنه أن يرى ببساطة الخوف الذي تتكلم به الفتاة في الفيديو الذي أسرعت ببثه القاهرة اليوم-وكاستطراد جانبي من إنسانة لا تحب شيء في الكتابة أكثر من الاستطراد، حقًا لماذا قامت القاهرة اليوم بالتغطية الإعلامية لإخراج إسراء بهذه السرعة و كل هذه المحاولات للظهور بالموضوعية، في حين لم يحدث ذلك في يوم 6 إبريل ، الأمر مجرد تساؤل بريء بالطبع وأنا أهوى أيضًا بجوار الاستطراد التساؤلات البريئة ، وكإضافة للتساؤل البريء السابق أوجه واحد أخر ، عن 90 دقيقة، ألم يتكلم البرنامج يوم 6 إبريل عن الطقس؟؟ لماذا الآن أصبح الإضراب رائع ويمكن تغطية بعض أحداثة كخروج البنت من الحبس؟؟- كفانا تساؤلات بريئة ولنعود لموضوعنا.

المهم أن الفتاة بدت لي مرتبكة خائفة قلقة تملؤها بكل تأكيد مليون فكرة مختلفة ومتضاربة،هذا ما شعرت به خاصة عندما وضعت ذاتي مكانها –عافنا الله وإياكم من ذلك- بتأكيد كانت خائفة من الإشاعات التي صدرت قبل خروجها بفترة قليلة عن إساءة التعامل معها، وهي كأي فتاة شرقية لا تحب مطلقًا أن تخرج أخبار لتثير أمور لا أساس لها من الصحة، ولديها كل الحق في ذلك، الفتاة كانت حريصة بشدة على تأكيد أنها بخير و ترديدها عدة مرات (أنا أتصنت) وتشديدها في التأكيد بكونها لم تُمس، و بتأكيد كان يملؤها القلق من التعليمات التي تلقتها من الأمن والتي وضحت الآن من الحوار معها في موقع (إسلام أون لاين) ، وهناك بتأكيد القلق على والدتها والتي يؤكد مظهرها كونها أم مصرية طبيعية جدًا تكاد تموت قلقًا بعد أن تورطت أبنتها -من وجهة نظر الأمهات المصريات- بدخولها السجن .. كل هذه المشاعر
المتضاربة والمرتبكة و أكثر بتأكيد كانت تجول في خاطرها.

وقد قام الإعلام -الذي أصبح موجه الآن حتى في بعض الفضائيات أيضًا- باستغلال الموقف أفضل استغلال، وبعد أن انتهى الحوار معها تلقفه الجمهور المتلهف بكل ردود الأفعال المختلفة، لذا أجدني في النهاية أشفق بشدة على الفتاة التي تتمزق الآن بين جهتين، الجهة الأولى هي رغبة الآلاف وربما الملايين في البحث عن بطل أو رمز -شعروا إنهم وجدوه فيها- وبين خوف نفس هؤلاء الملايين من أن يخذلهم بطلهم أو يتلاشى الرمز ، وفي الجهة الأخرى بين رعب الأمن من أن يتمثل الناس رمز أو بطل و رغبتهم الأكيدة في تحطيم وتشويه أي خيال يمكن أن يعتقدوا أن هذا الرمز قد يظهر منه.

الكارثة أن الفتاة بنت مصرية عادية شعرت بأن هناك مشاعر اتجاه بلدها تحركها .. مشاعر حب الوطن والرغبة في الكرامة ورغيف الخبز والحياة الكريمة، فتحركت في اتجاه هذه المشاعر دون أن تضع في حسابها لا تنظير المنظرين و لا أمال المحبطين ولا خوف المتربصين على ما بأيديهم..

لذا لا أجد سوى أن أقول لكِ الله يا إسراء..

Wednesday, April 16, 2008

عن حرب البسوس والطغاة في كل الأزمنة

أعتقد أن من يعرفني الآن يعرف ولهي المرضي بقصيدة "لا تصالح" حتى إنني قد بدأت بها هذه المدونة ،ولكني في تعرفي على القصيدة قرأت الصيغة الأدبية التي صيغت عليها القصيدة أو التي اقتبستها القصيدة -بمعنى أصح- من ملاحم التاريخ لتأخذها هيكل لبنائها، وهي ملحمة "حرب البسوس" الحرب التي دامت 40 عامًا من أجل ناقة ، وتبدأ القصيدة بأن (كليب وائل) وهو يموت كتب بدمه على الحجر ليوصي أخاه (الزير سالم) بوصية على شكل قصيدة من عشرة أبيات وبعيدًا عن العشرة أبيات الحقيقيين التي تنقلها لنا ملحمة "الزير السالم" بالفعل كتب (أمل دنقل) رائعته لا تصالح ،طوال عمري كنت أقرا القصيدة وأقلبها في عقلي على الفور لأفك رمزيتها المباشرة بلا عناء ، مَن قتلوا (كليب) هم أشارة مباشرة لإسرائيل ، ولذا داخل عقلي كإسقاط طبيعي كنت كلما تذكرت ما وصلني من الملحمة الحقيقة أشعر بكراهية شديدة لـ(جساس) بن مره قاتل كليب.

وقد أثرت القصيدة المستوحاة من الملحمة بي بشكل عكسي فجعلتني أفسر الملحمة نفسها على أساس القصيدة وليس العكس، ربما حدث هذا لأنني في الحقيقة لم أكن في البداية قد قرأت الملحمة مطلقًا ومعرفتي بها مجرد معرفة سماعية عن (حرب البسوس) التي قـَتل بها (جساس) أبن عمه ومليكه (كليب وائل) بناقة ثم ثأر اخو (كليب) (الزير سالم) من قاتل أخيه وقبيلته في حرب دامت 40 عامًا ، كانت هذه هي معلوماتي كلها عن الملحمة وكنت كلما تذكرتها أو قرأت القصيدة أصب جام غضبي على (جساس) وغدره الذي غدر بـ(كُليب) الملك العربي الأصيل، ولكن منذ فترة قررت أن أبحث عن الملحمة الأصلية لأقرئها ، فقرأت النسخة الشعرية منها و قرأت النسخة التي تحولت مع الوقت لحدوته أو رواية سردية فانتازية بعض الشيء ، ثم بعدها بفترة رأيت المسلسل السوري الذي أخرجه المخرج المتميز (حاتم علي) والذي اختلفت بعض أحداثة مع النسخة التي قرأتها للملحة ولكن بعد البحث اكتشفت أن هناك أكثر من نسخة عن ذات الملحمة يختلفوا عن بعضهم البعض في بعض التفاصيل التي لا تُخل مطلقًا بالسياق العام .

وهنا بدأت أجدني تلقائيًا كلما تقدمت في القراءة أو المشاهدة أزداد تعاطفًا مع (جساس) و أزيل عنه الصفة التي ألصقتها به منذ صغري ظلمًا وعدوان، أنه المعادل الموضوعي لإسرائيل في الملحمة إنه كذلك في قصيدة (أمل دنقل) ولكن في الملحمة الآمر يختلف تمامًا ، من قرأ الرواية أو شاهد المسلسل سيعرف كيف أن (وائل بن ربيعة) العربي المعتد بذاته وبقبيلته بعد أن قاد القبيلة في حرب محدودة ضد ظلم وتجبر (لُبيد) عامل الملك (الكندي) ثم نصره متميز على (التُبع اليماني) ملك اليمن نتيجة لتجبره أيضًا فقام هو –(كُليب)- و أفراد قبيلته على قدم المساواة في الحرب و مواجهة الموت واقتسام المهام من أجل شرف (الجليله) خطيبته وابنة عمة ، كيف انه بعدما عادوا منتصرين قدروا به ملكاته في القيادة ونصبوه عليهم ملكًا ، رغم كونه ليس أكبرهم عمرًا، حتى هنا والأمر مثالي وجميل ، إلا أن شخصية (وائل) الذي كُني بعد المُلك بـ(كليب) قد تمحورت وتطورت وتحول شيئًا بشيء إلى طاغية يمنع الجميع عن مورد الماء في البداية عادا عائلته وعائلة عمه الذين هم في ذات الوقت أهل زوجته كمجاملة لها ، و كيف يمنع إضرام النار في أي بيت دون إذن منه حتى لو كان ذلك لأداء واجب الضيافة اتجاه ضيف طرأ على إحدى عائلات العرب ونحن نعلم ماذا عنى إكرام الضيف للعرب قديمًا، و كيف منع الصيد في حماه بل وتكبر على أبناء عمومته حينما رغبوا في مصاهرته والزواج من أخته بحجة إنهم ليسوا كفأ لمصاهرة ملكًا و أن أخواته كأخوات ملك لا يتزوجن إلا الملوك .

بل ذهب إلى حد الاستهانة بمن هم أكبر منه عمرًا ولهم مكانة عالية بين العرب مثل عمه (مُره بن ذُهل) أو (الحارث بن عُباد) ومحاولات إجبارهم على أن يكونوا طوع أمره وألا يخالف أحد رأي له ، حتى لو كان خاطئ ، لا شخص قريب ولا بعيد يستطيع ذلك حتى أخاه (سالم) المُكنى بـ(المهلهِل) ، ونشأت المشكلة الرئيسية عندما أرادات (البسوس) خالة أبناء عمومته وأصهاره في أن تجعل ناقتها (سراب) ترعى مع القطعان ،وبصرف النظر عن كون (البسوس) كانت لديها أغراض أخرى خبيثة من الانتقام والدس، إلا أن حماقة (كُليب) بغروره ورؤية أن آراءه لا تُرد وأنه لا يخطأ إلى أخر كل أعراض جنون السلطة قد جعلته يصل لمنع الناقة من أن ترعى وللانتقام من أبناء عمومته وأصهاره لأنهم لا ينصاعوا له كما يريد –رغم انصياعهم الكامل له في الحقيقة- إلى حد منعهم من الرعي مع قطعانه هم أيضًا بل منعهم تمامًا من موارد المياه المتواجدة في حماه حتى كادت تنفق قطعانهم .

كل هذا و (مُرة بن دهل) عمه يغالب هذا القهر صابرًا متعللاً مرة بالقرابة والدم ومرة بالمصاهرة والنسب ومرة بالمُلك والمكانة ، محاولاً تهدئة أبناءة التي كانت تثور حميتهم مع كل مرة يـُظهر بها (كُليب) استهانته بهم ويتأجج غروره ، وكان أكثرهم عدم صبرًا على الإهانه وعلى هذه المعاملة هو (جساس) الذي أخذ يرغي ويزبد وهو يتواثب غضبًا كلما حدث موقف يشي بامتهان (كُليب) لهم ،و في النهاية بعد أن منعهم (كُليب) من الماء قرر (جساس) أن يجير الناقة (سراب) وهو ما يعني عند العرب أن هذه الناقة في حماه من يعتدي عليها كأنه اعتدى على من أجارها ، وهنا أقسم (كُليب) انه لو حاولت الناقة أن تقترب من المرعى لترعى أو من المورد لتشرب ليضرب ضرعها بالسهم طالما حماها (جساس) ، فأقسم (جساس) إنه لو مس الناقة سوءًا ليضرب (كُليب) برمح في ظهره ،وهكذا أشطاط (كُليب) غضبًا وبمجرد أن رأى الناقة ترعى قام بضربها بسهم قاتل في ضرعها ثم ربط سائسها من يديه ليجره خلف حصانه فوق الأرض على طريقة فيلم (الأرض) الشهيرة، وبالطبع لم تصمت (البسوس) بل جعلت من الأمر مناحة محققه وهي تندب ناقتها وتندب (سعد) سائسها وتندب حظها الذي جعلها تأتي هنا حيث لا أحد يمكنه أن يجيرها قائلة:


أيا سعد لا تغرر بنفسك وارتحل فإني في قوم عن الجار أمواتي
ودونك أذوادي إليك فإنني محاذرة أن يغدروا ببنياتي
لعمري لو أصبحت في دار منقذ لما ضيم سعد وهو جار لأبياتي
ولكنني أصبحت في دار معشر متى يعد فيها الذئب يعدو على شاتي.


وهكذا أخذت تزيد من ثورة (جساس) الثائر أصلاً فيعلن انه سيأخذ بـ(سراب) ناقة البسوس جمل (كُليب) (علال) ،ولو كان هذا قصده لكان الرجل كريم في رأيي (وعداه العيب) ناقة بجمل، ولكن رغم انه لم يعني ذلك إلا أن (كُليب) قرر في غطرسة وتحدي أنه لا احد يجرؤ على الاقتراب من جمله وانه سيطلق (علال) ليرعى وإن أقترب منه (جساس) ليقتل (علال) ثأرًا لـ(سراب) فسيقوم هو بقتل (جساس) ثأرًا لجمله، وزاد هذا من غضب (جساس) أن يعتبره (كُليب) لا يساوي سوى جمل، ولكن الحقيقة أن (جساس) كان يشغل الجميع بما فيهم أباه وأخوته ليحاولوا حماية (علال) جمل (كُليب) اتقاءً لغضبه.

و قام هو بتتبع (كُليب) حتى لقاه ليبدأه بحوار ، والحقيقة أن كل المصادر التي قرأت بها القصة يظهر منها أن (جساس) كان قلقًا ومترددًا حتى في عملية قتل (كُليب) فثورة الكرامة داخلة هي ما دفعته لذهاب لـ(كُليب) ولكنه كان يعلم انه ليس ندًا له، ولم يكن في واقع الأمر يريد أن ينتهي الصراع بقتل أبن عمه وزوج آخته ومليكه بقدر ما كان يرجوا –في رأي الشخصي- في أن يتخلى (كُليب) عن غروره يعترف أن هؤلاء بشر لهم كرامة و انه أخطا في حقهم، ولذا نجد أن (جساس) يبدؤه بالسؤال عن سبب منعه الماء عنهم وسبب قتله للناقة ، فما يكون من (كُليب) إلا أن يسخر منه ، وقد كان سخر منه في البداية عندما رآه يقبل قائلاً له بأنه لا يساوي شيء في معيار الفرسان ، وعندما زادت ثورة (جساس) وهدد (كُليب) بأنه سيقتله ما كان رد فعل (كُليب) سوى أن هزأ من (جساس) متهمًا إياه بأنه لا يستطيع و أن اقل من 40 فارسًا يحاولوا قتله لا يتلفت لهم (كُليب) وهذا قمة الصلف و الغرور .

ورغم ذلك أخذ (جساس) يحذره مرة بعد الأخرى فما كان من (كُليب) سوى أن استدار له بجواده معطيه ظهره مستهينًا به إنه لن يستطيع فعل شيء،و هكذا ببساطه رفع (جساس) رمحه وضرب به (كُليب) في ظهره بل وعندما سقط وطلب شربة ماء اخبره (جساس) بأنه قد منعهم الماء فليس له أن يعطيه الماء الآن ، و لم يكتفي الأخ (كُليب) بذلك بل كتب بدمه بالفعل عشرة آبيات كوصية لأخيه (الزير سالم أبو ليلى المهلهِل) يوصيه بها ألا يضيع الثأر و ألا يصالح و أن يفنى قبيلة (بكر) قائل بها:


هديت لك هديه يا مهلهل عشر أبيات تفهمها الذكاة
أول بيت أقوله أستغفر الله إله العرش لا يعبد سواه
وثاني بيت أقول الملك لله بسط الأرض ورفع السماه
وثالث بيت وصي باليتامى حفاظ العهد ولا تذكر سواه
ورابع بيت أقول الله اكبر على الغدار لا تنسى أذاه
وخامس بيت (جساس) غدرني شوف الجرح يعطيك النباه
وسادس بيت قلت الزير خي شديد البأس قهار العداه
وسابع بيت سالم كون رِجال لآخذ الثار لا تعطي وناه
وثامن بيت بالك لا تخلي لا شيخ ولا كبير ولا فتاه
وتاسع بيت بالك لا تصالح وأن صالحت شكوتك للإله
وعاشر بيت أن خالفت قولي فأنا وياك إلى قاضي القضاة


والحقيقة أن (سالم) كان عند حُسن ظن أخيه لدرجة ربما لم يتوقعها (كُليب) نفسه فكاد يُفني (بكر) و (تغلب) –قبيلتهم- تمامًا وقد قال عندما علم بموت (كُليب) :

كـليب لا خير في الدنيا ومن فيها
إن أنـت خليتـها فـيمـن يخليها
ليت السماء على من تحتها وقعت
وعادت الأرض و انجابت بمن فيها


وقَتل (المهلهِل) في هذه الحرب كل من يمكن أن يقتله مِن مَن يحبهم من أهله ومحبيه صديق عُمره (همام بن مره) و أبناء أخته (شيبان) و (شيبون) حتى تسبب في قتل صديقه الوحيد (آمرؤ القيس بن أبان) ، 40 عامًا من القتل و التاريخ يمجد (الزير السالم) و يذم (جساس) و يصفه بأنه غدار وقتل (كُليب) ظُلمًا ، الصراحة حتى ثُلثين الملحمة لم استطيع أن امنع ذاتي من تشجيع (جساس) واعتباره الرجل الوحيد في الرواية الذي شعر بأن لدية كرامه و انه لن يصبر على المهانة ، الرجل الوحيد الذي رفض التجبر والظلم ، طبعًا كان هذا قبل أن يأتي الوقت الذي يختفي به (الزير سالم) ويستطيع (جساس) السيطرة وأخذ المُلك ليفعل ما يفعلوه الثوار غالبًا للأسف لقد تحول إلى طاغية أخر حتى ليجعلك الأمر تضرب كفًا بكف كيف أستطاع أن ينسى ما فُعل به؟! كيف حوله المُلك والسطوة لطاغية كالذي قتله بيده وكيف مارس بالضبط -ربما بقسوة أشد- ما كان يثور عليه؟

لذا عندما وصلت لنهاية الملحمة وقُتل (جساس) لم أتأثر به كثيرًا، رغم كوني مازلت أرى أن الرجل قد ظُلم في التاريخ والأدب فهو لم يفعل في البداية سوى أن ثار لكرامته، وصراحة بعد كل هذا الظلم والغباء والدماء أجد أن أروع ما في هذه الملحمة هو أن كل من بها تقريبًا قد ماتوا (كُليب) و (جساس) و (سالم) ومن ساندوهم ومن ساند من ساندوهم وحتى من اعتزلوا الحرب ماتوا أيضًا، وكلاً من الرؤوس الكبيرة كلما امسك أحدهم بزمام الأمور تحول إلى طاغية حتى يزيحه أخر .. مِن ما جعلني في النهاية احمد الله على موتهم و أقول (جتهم البلا ، بركه أنهم كلهم راحوا في داهية) ، وأكتفي بقراءة لا تصالح وأعود لوضع الإسقاط على إسرائيل على الأقل هذه عدو واضح لا يحتاج لتحليل لتكرهه بكل ما بك من قوة.

Monday, April 14, 2008

عن عدة أشياء لا تبدأ بـ6 إبريل ولا تنتهي به

دائمًا ما أحب الاختلاف و أكره أن أكون مجرد فرد أخر في القطيع أو فقط مجرد إمعة تحركها رياح الآراء المختلفة يمينًا ويسارًا ولكني حرصت دائمًا ألا يؤدي ولهي هذا بالاختلاف أن أتحول إلى شخصية من نوعية خالف تُعرف ،وهم شخصيات يحبون الاختلاف للاختلاف وليس لأنهم مقتنعين برأي ما ،ولذا كنت دائمًا أفكر إنني عندما أقوم بعمل مدونة سأقوم بعملها لأنني شعرت بحاجتي لذلك ، شعرت بحاجتي لوجود مساحة شخصية حقيقة تخصني أستطيع أن اخرج بها كافة الهراء الذي يعتمل داخل عقلي وقلبي على حد سواء وليس لمجرد أن كل البشر الآن يملكون مدونات ، كنت أنظر لبعض المدونين الذين أتابع مدوناتهم وبعضهم أصدقائي واعرفهم معرفة شخصية وبعضهم لم ألتقي به مطلقًا سوى عن طريق أفكاره التي يطرحها في مدونته ،كنت انظر لمدوناتهم وأقول إما أن يكون التدوين هكذا وإلا فلا حاجة لي به ،هؤلاء تشعر في كل كلمة يكتبونها إنهم يعبرون عن أنفسهم وعن موقفهم في الحياة وفقط وليس لأي أهواء أو رغبات تشوبها شبة استعراضية أو السير وراء الموضة والهوجة ، ومن ضمن ما كنت انتويه ألا تأخذ مدونتي –يوم إنشائها- طابع سياسي صرف دون غيره فأنا لا أفهم في السياسة بشكل احترافي أرائي هي أراء رجل الشارع العادي ،كما إنني عندما أرى بعض المدونات وما تقدمة من رؤية متميزة اعتقد أن هذا كافي جدًا ولا حاجة لمزيد من عكي طالما لا ينبع من رغبة دفينة داخلي لأكتبه ، أي إنني كنت متخذه موقف إنني لن أكتب لأتحدث عن موقف أو حدث أو ظروف محدده لمجرد كونها هي المسيطرة على الساحة فقط ، أريد أن انتقل بين الأفكار التي تتحرك داخلي أنا وحدها ، من أدب لتاريخ لعلوم و تفلسف للسياسة أيضًا وقت الحاجة ، للفن لعلم النفس و هلما جرا ،أي إنني كنت انوي أن اجعل هذه المدونة طبق سلطة معتبر فقط لإرضاء نزعات عقلي كما يريد ،ولكني فوجئت إنني لم اهتم كل هذا الوقت السابق في صنع المدونة ولم تلح عليّ الفكرة بشكل قاهر إلا لتلح عليّ الآن في هذا الوقت وتؤرقني لحد الاكتئاب ،وبعدما أنشأتها وعندما حاولت السير من منطلق إنني لن أسير على ذات الموجة كما كنت مقررة ، وجدت إنني ربما لم تلح عليّ الفكرة هذه الأيام خاصة سوى من أجل الموجة ، ليس لأن الجميع يركبها كما يعن لصحفيّ الحكومة أن يقولوا ولكن لآن الجميع يشعرها لآن الكل لا يستطيع تجاهلها، لآن حالنا أصبح أفدح مِن أن نتجاهله ، لذا أجد كل محاولات التفرد التي كنت أريدها في السابق قد سقطت في الحال وفشلت وإنني لا أستطيع سوى أن أتكلم عن ما يتكلم عنه الجميع ، عن 6 إبريل ومدى نجاحه من فشله عن المأساة التي حدثت في المحلة وأدمت قلوب الجميع وأشعرتنا بغضب كاسح وعن الصمت المخجل من جهتنا كمصرين اتجاهها ، عن الطفل البريء أحمد مبروك الذي ضاع في لحظة جنون أمني ،عن إسراء عبد الفتاح الفتاة التي تقضي وقتها الآن خلف القضبان فقط لأنها تحمست لهذا الوطن ،عن عدد المعتقلين الذي يزيد يومًا بعد يوم منذ بداية هذه الأحداث و عن إضراب 4 مايو المنتظر ..أجدني الآن سعيدة إنني سأسير مع القطيع طالما سيكون قطيع خيول مصرية أصلية يريد الخير لهذا الوطن الأسير.

Friday, April 11, 2008

الحبر الفسفوري المسلوق والأرز الكاشف لتلاعب

قرأت خبر عبقري أمس ،اعتقد إنه طال انتظاري وبتأكيد انتظار الشعب المصري له بحق ، لقد تحقق الأمر بعد عذاب وطول انتظار وألم وإصرار ، فلقد فسدت كل الأمور في حياتنا اليوم ولم يعد المرء مستعد لإفسادات جديدة ، لذا كان الكل في انتظار الخبر ولذا سيُجن المصريين فرحًا بتأكيد بعد سماعه –إن لم يكونوا قد جونوا منذ زمن بسبب كل ما يحدث لهم- أعتقد أن الرغبة في معرفة هذا الخبر تأكلكم الآن –أو هكذا أتصور كنوع من أنواع التحميس الذاتي والقول بأنني قادرة على شد انتباه القارئ- المهم إنني لن أنتظر وسأقول لكم أن الجرائد القومية أمس زَفـَت- زَفت وليس (زِفت) بمعنى قدمت لنا بسعادة وابتهاج ركزوا أرجوكم مش عايزين نروح في داهية- لنا خبر هبوط سعر الأرز إلى اثنان جنيه ونصف ليس هذا فقط بل إنه يوجد الآن في المجمعات الاستهلاكية ..

أكاد أرى خيبة الأمل على وجوه الجميع ولسان حالهم يقول هل هذا هو الخبر العبقري؟! .. والحقيقة أنه خبر عبقري بالفعل ويستحق أن يدونه كلاً منا في دفتر مذكراته فلم يحدث في بلدنا العزيزة من قبل أن قل سعر أي سلعة بعد أن ارتفع -سوى الإنسان طبعًا على اعتبار إنه أصبح سلعة هو الآخر هذه الأيام- لذا ألا يحق لنا أن نرقص طربًا وربما كونا جماعات تسير في الشوارع تحمل أكياس الأرز وتلف على المحلات والبيوت مغنيه وراقصة ومبشرة بالإنجاز العظيم..

الحقيقة أن الاحتفاء الذي كتبت به الصحف الخبر جعلني أدقق كثيرًا به ، هذا أمر يبعث على المرارة والسخرية، ليس لا قدر الله من شعوري إنه أصبح حقًا منتهى الأمل أن ينخفض سعر الأرز ؟!! أو بأنه أهانه لمصر التي أنقذت العالم من المجاعة مرتين أن تعتبر الدولة أن توفير الأزر بسعر شبه معقول هو إنجاز أو لأن المسئولين يشعرون أنهم حققوا أفضل ما لديهم و انه هنيئًا لشعب المصري بهم وليصمت المشككون والحاقدون والقِلة المندسة التي تفسد علينا أفراحنا إلى الأبد أو لأنهم يعتبروا أنهم تفضلوا بهذا الإنجاز على المواطن الغلبان وكأن هذا ليس أدنى درجات واجبهم أن يوفروا السلع الأساسية بأسعار مقبولة ، حاشا وكلا ما كنت لأفكر هذا التفكير اللئيم أبدًا .. ولكني شعرت بهذه المرارة عندما وصلت لقرب نهاية الخبر لأكتشف أن الخبر لم يذكر شيء عن الزيت والسمن والشِعرية وهل يصلح الأرز دون هذا و ماذا نفعل بالأرز وحدة دون باقي هذه المكونات لقد كنت أطمع بأن أجد أيضًا في الخبر كلمتين عن أسعار الخضار ربما البازلاء أو الطماطم فهل يصح أن يوضع صحن الأرز المسلوق-ألم يخلو الخبر من أي أخبار عن الزيت والسمن والشعرية إذن سينتهي الأمر على أرز مسلوق- يتيم وحيد على مائدة الطعام ألا يؤانس وحدته طبق خضار مسلوق أيضًا –والأمر لله- ولكن والحال كذلك ، فكرت انه يمكن الحصول على الأرز الآن والانتظار حتى تنخفض أسعار باقي السلع التي نحتاجها لطبخه وعلى طريقة (جَمعَها تكسبها) نـُجمع كل المحتويات أولاً ثم نولم الوليمة المكونة من الأرز و الخضروات ،ولا أريد أن انظر لهذا الذي اسمعه يتمتم بكلمات تعتبر بحق فتنه لن تغفر له ، هل يتساءل الأخ عن اللحم حقًا لقد افسد الزمان الناس حتى أصبحوا يتساءلوا عن اللحم (يا أخي طيب لو مكانش علشان سعره فعلشان مش معقول نمشي على طول ننهق أو نهوهو في الشوارع كفاية حمير وكلاب بقى مش كل يوم هيخلصوا؟!!!) عجبًا من هؤلاء السفهاء حقًا...

المهم أن عيني قد وقعت على جزء أخر من الخبر زاد همي لقد قرروا أن حصيلة المواطن فقط 4 كيلو أرز ونظرًا لكون الوجبة غالبًا ستتكون منه فقط فبتأكيد 4 كيلو أرز لن يصمدوا مع أسرة متوسطة العدد حتى لأسبوع ،لذا أقترح أحد المشاغبين أنه يمكن التحايل على هذا بأخذ الكيلوات الأربعة ثم الابتعاد قليلاً فالعودة لأخذ غيرهم وهكذا ، ولقد شغلني هذا الأمر بالفعل..

يالخباثة هؤلاء المواطنين يريدوا أن يخدعوا الحكومة وينهبونها ويأخذوا أكياس أرز أكثر من حصتهم ، حقًا إنهم يستحقوا أن يكونوا حطب جهنم إزاء أفكارهم الأثيمة هذه .. وجلست أفكر في وسيلة عبقرية أقترحها على الحكومة فربما زادت من حصة الأرز الخاصة بي و وجدت الحل العبقري ..إنه الحبر الفسفوري الكاشف لمحاولات التلاعب المستخدم في الانتخابات بما أن الحكومة لم تعد تحتاج له في الانتخابات وكل الأمور تتم على ما يرام دونه فبتأكيد لديهم كميات مُخزنه منه لا حاجة لهم بها، لذا فما الذي يمنع أن توزع الحكومة الحبر الفسفوري على كل جمعية استهلاكية و يكون على كل مواطن يأخذ أكياس الأرز الأربعة الخاصة به أن يضع يده في الحبر كي لا يستطيع العودة ثانية وأخذ أكياس جديدة وإلا سُيكشف أمره ..

وجدتها فكرة عبقرية وقررت إنهاء المقالة والهبوط سريعًا لشراء الأرز واقتراحها على أولو الآمر و لكني وجدت في أخر سطور المقالة أن الصحفي العبقري يشير أن كمية الأرز لم تكن كافية لطلبات الجماهير الغفيرة لذا فقد نفذ الأرز من المجمعات فور وصوله ..

إذن لا يوجد أرز.. وهكذا تجدوني الآن اجلس محطمة الفؤاد أفكر في الحلم الجميل بحصني أرز وخضروات وقد ضاع حتى بدون الحاجة للحبر الفسفوري.

Wednesday, April 9, 2008

قصيدتين كبداية

قصائد أثرت بي بحق .. منذ الصغر حتى الآن وأنا اهوى قراءة الشعر ..وهناك قصائد تعجبني بجنون ،ولكن هناك بعضها ترك آثر لا ينمحي في نفسي منهم هاتين القصديتين ( قالولي بتحب مصر) و (لا تصالح) ..لذا قررت عندما أبدأ مدونه سأبدها بهاتين القصيدتين.
(((قالولي بتحب مصر)))
((تميم البرغوثي))

قالولي بتحب مصر فقلت مش عارف
المعنى كعبة وانا بوَفْد الحروف طايف
وألف مغزل قصايد في الإدين لافف

قالولي بتحب مصر فقلت مش عارف
أنا لما اشوف مصر ع الصفحة بكون خايف
ما يجيش في بالي هرم ما يجيش في بالي نيل
ما يجيش في بالي غيطان خضرا وشمس أصيل
ولا جزوع فلاحين لو يعدلوها تميل
حكم الليالي ياخدهم في الحصاد محاصيل
ويلبّسوهم فراعنة ساعة التمثيل
وساعة الجد فيه سخرة وإسماعيل
ما يجيش في بالي عرابي ونظرته في الخيل
وسعد باشا وفريد وبقيّة التماثيل
ولا ام كلثوم في خِمسانها ولا المنديل
الصبح في التاكسي صوتها مبوظُّه التسجيل
ما يجيش في بالي العبور وسفارة اسرائيل
ولا الحضارة اللي واجعة دماغنا جيل ورا جيل
قالولي بتحب مصر أخدني صمت طويل
وجت في بالي ابتسامة وانتهت بعويل
قالولي بتحب مصر فقلت مش عارف
لكني عارف بإني إبن رضوى عاشور
أمي اللي حَمْلَها ما ينحسب بشهور
الحب في قلبها والحرب خيط مضفور
تصبر على الشمس تبرد والنجوم تدفى
ولو تسابق زمنها تسبقه ويحفى
تكتب في كار الأمومة م الكتب ألفين
طفلة تحمّي الغزالة وتطعم العصفور
وتذنِّب الدهر لو يغلط بنظرة عين
وبنظرة أو طبطبة ترضى عليه فيدور
وأمي حافظة شوارع مصر بالسنت
تقول لمصر يا حاجّة ترّد يا بن
تقولها احكي لي فتقول ابدأي إنتي
وأمي حافظة السِيَر أصل السِيَر كارها
تكتب بحبر الليالي تقوم تنوَّرْها
وتقول يا حاجة إذا ما فرحتي وحزنتي
وفين ما كنتي أسجل ما أرى للناس
تفضل رسايل غرام للي يقدّرها
أمي وأبويا التقوا والحر للحرة
شاعر من الضفة برغوثي وإسمه مريد
قالولها ده أجنبي، ما يجوزش بالمرة
قالت لهم ياالعبيد اللي ملوكها عبيد
من إمتى كانت رام الله من بلاد برة
يا ناس يا أهل البلد شارياه وشاريني
من يعترض ع المحبة لما ربّي يريد
كان الجواب ان واحد سافر اسرائيل
وانا أبويا قالوله يللا ع الترحيل
دلوقت جه دوري لاجل بلادي تنفيني
وتشيِّب أمي في عشرينها وعشريني
يا أهل مصر قولولي بس كام مرة
ها تعاقِبوها على حُبَّ الفلسطيني
قالولي بتحب مصر فقلت مش عارف
بحب أقعد على القهوة بدون أشغال
شيشة وزبادي ومناقشة في مآل الحال
وبصبصة ع البنات اللي قوامهم عال
لكن وشوشهم عماير هدها الزلزال
بحب لمعي وحلابِسَّة ومُحِّب جمال
أروح لهم عربية خابطة في تروللي
كإنها ورقِة مِسودّة مرميّة
جوّاها متشخبطة ومتكرمشة هيّه
أو شلّة الصوف، أو عقدة حسابيّه
سبعين مهندس ولا يقدر على حلي
فيجيبوا كل مفكّاتهم وصواميلهم
ويجرّبوا كل ألاعيبهم وتحاييله
مساعات كمان يغلطوا ويجربوا فيّه
بس الأكيد أنهم بيحاولوا في مشاكلي
وإنها دايماً أهون من مشاكلهم
أحب اقعد على القهوة مع القاعدين
وابص في وشوش بشر مش مخلوقين من طين
واحد كإنه تحتمس، يشرب القرفة
والتاني غلبان يلف اللقمة في الجرانين
والتالتة من بلكونتها تنادي الواد
والواد بيلعب وغالبهم ثلاثة اتنين
أتوبيس كإنه كوساية محشي بني آدمين
أقول بحكم القاموس، إن الهواء جماد
واشم ريحة شياط بس اللي شايفه رماد
عكازة الشيخ منين نابت عليها زناد
يسند على الناس ويعرج من شمال ليمين
والراديو جايب خبر م القدس أو بغداد
قالولي بتحب مصر فقلت مش عارف
قطر الندى قاعدة بتبيع فجل بالحزمة
أميرة عازز عليها تشحت اللقمة
عريانة ما سترها الا الضل والضلمة
والشعر الابيض يزيد حرمة على حرمة
والقلب قايد مداين زي فرشة نور
والفرشة واكلاها عتة والمداين بور
اللي يشوفها يقول صادقة حكاوي الجن
واللي يشوفها يقول كل الحقايق زور
عزيزة القوم عزيزة تشتغل في بيوت
عشر سنين عمرها لكن حلال ع الموت
صبية تمشي تقع ويقولو حكم السن
وسِتّها شعرها أصفر وكلّه بُكَل
كإنها مربية فيه اربعين كتكوت
ووشها زي وش الحاكم العربي
كإن خالقها راسمها على نبوت
تحكم وقطر الندى تسمع لها وتئن
أصل البعيدة وليّة أمرها، عجبي
على الهوا بحجة الكسوة يقيموا له سور
أحكي يا قطر الندى والا ما لوش لازمة
حكاية ابن الأصول تفضل معاه لازمة
فيه ناس بتلدغ وناس ليها البكا لازمة
ياللي سطلت الخليفة بجوز عينين وشعور
كنت سما للأغاني والأغاني طيور
مين اللي باعك، عدوك، بعض أولادك
مين اللي كانوا عبيدك صاروا أسيادك
مين اللي سمى السلاسل في إديك دِبَل
مين اللي خط الكتاب مين كانوا أشهادك
وازّاي متى سألوكي "هل قبلتِ به"
سكتِّ ومشيتِ يا مولاتي في الزفة
لبنان وغزة وعراق فينا العدو تشفى
حطوا جثثنا يا حاجة تحت سجادك
ووقفت تستنى خيط الدم يبقى بحور
قالولي بتحب مصر فقلت مش عارف
لا جيتها سايح ولاني أعمي مش شايف
بلد علمها انمزع والرفّا في المساجين
ومهر مربوط في كارو وباله في البساتين
وابو زيد سلامة على كرسي وكيس جلوكوز
لجنة مشايخ تناقش فتوة الأراجوز
سؤال نعيش أو نموت، فيه لا يجوز ويجوز
لو السقوف خايخة نسندها بحجارة وطوب
لكن ده لوح القزاز كله ضرب تشريخ
لو الولد حرف في الآية، ها يبقى يتوب
بس المصيبة إذا الآية اخترعها الشيخ
يا مصر كومة حروف إبر المعاني فين
إبر بتجرح إيدينا قبل ما بتبان
نسرك في بال السما بيقول حدودها منين
نسرك بياكله الصدا في بدلة السجان
يا قلعة السجن يا قلعة صلاح الدين
أنا بقولك وأهلي ع الكلام شاهدين
لو كنت حرة ما كناش نبقى محتلين
والناس شكاير صريخ رابطين عليها سكوت
آهات سَكوتَة كإن الأرض مستشفى
مطرودة منها الدكاترة ف سجن أو منفى
والناس بتسأل هنصبر والا نتوفى
فيه ناس تقول زي بعضه دول نوعين م الصبر
وناس تقول زي بعضه دول نوعين م الموت
يا مصر بعض التسامح يبقى عار وبأجر
إفتكري "لا تحسبّن" مكتوبة فوق كام قبر
والتار يبات يصحى تاني لو يشيب الدهر
والتار حصان غير لصاحبه ما يلين ضهر
والتار تار العرب وعشان كده تار مصر
قالولي بتحب مصر فقلت مش عارف
لا جيتها سايح ولاني أعمى مش شايف
ولاني هايف اردّ بخفّة وبسرعة
وكل من رد يا كذاب يا هايف
أصل المحبة بسيطة ومصر تركيبه
ومصر حلوة ومُرَّة وشِرْحة وكئيبة
دا نا اختصر منصب الشمس وأقول شمعة
ولا اختصر مصر وانده مصر يا حبيبة
يا أهل مصر اسمعوني واسمعو الباقيين
إن كنت انا رحّلوني كلنا راحلين
يا أهل مصر يا أصحابي يا نور العين
يا شنطة المدرسة يا دفتر العناوين
يا ضغطة البنت بلكراسة ع النهدين
ترقص قصاد المراية، واحنا مش شايفين
يا صحن سلطان حسن يا صحن كحك وتين
يا ألف مدنا وجرس، لألف ملّة ودين
يا أهل مصر اسمعوني، والكلام أمانات
قلتولي بتحب مصر فقلت مش عارف
روحوا اسألوا مصر هيّه عندها الإجابات
********
(((لا تصالح))
((أمل دنقل))
(1)
لا تصالحْ
ولو منحوك الذهبْ
أترى حين أفقأ عينيكَ
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى..
:ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،
حسُّكما - فجأةً - بالرجولةِ،
هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،
الصمتُ - مبتسمين - لتأنيب أمكما..
وكأنكما
ما تزالان طفلين!
تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
الصوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي -بين عينيك- ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء..تلبس -فوق دمائي- ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ ولا تتوخَّ الهرب!
(2)
لا تصالح على الدم .. حتى بدم!
لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ
أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟
أعيناه عينا أخيك؟!
وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك
بيدٍ سيفها أثْكَلك؟
سيقولون:جئناك كي تحقن الدم..
جئناك.. كن -يا أمير- الحكم
سيقولون:ها نحن أبناء عم.
قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك
واغرس السيفَ في جبهة الصحراء
إلى أن يجيب العدم
إنني كنت لك
فارسًا، وأخًا، وأبًا، ومَلِك!
(3)
لا تصالح ..
ولو حرمتك الرقاد
صرخاتُ الندامة
وتذكَّر..
(إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهن الذين تخاصمهم الابتسامة)
أن بنتَ أخيك "اليمامة"
زهرةٌ تتسربل -في سنوات الصبا- بثياب الحداد
كنتُ، إن عدتُ:تعدو على دَرَجِ القصر،تمسك ساقيَّ عند نزولي..
فأرفعها -وهي ضاحكةٌ- فوق ظهر الجواد
ها هي الآن.. صامتةٌ
حرمتها يدُ الغدر:من كلمات أبيها،
ارتداءِ الثياب الجديدةِ ، من أن يكون لها -ذات يوم- أخٌ!
من أبٍ يتبسَّم في عرسها..وتعود إليه إذا الزوجُ أغضبها..
وإذا زارها.. يتسابق أحفادُه نحو أحضانه،لينالوا الهدايا..
ويلهوا بلحيته (وهو مستسلمٌ) ويشدُّوا العمامة..
لا تصالح! ..فما ذنب تلك اليمامة
لترى العشَّ محترقًا.. فجأةً، وهي تجلس فوق الرماد؟!
(4)
لا تصالح
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ..؟
وكيف تصير المليكَ..
على أوجهِ البهجة المستعارة؟
كيف تنظر في يد من صافحوك..
فلا تبصر الدم..في كل كف؟
إن سهمًا أتاني من الخلف..
سوف يجيئك من ألف خلف
فالدم -الآن- صار وسامًا وشارة
لا تصالح،ولو توَّجوك بتاج الإمارة
إن عرشَك: سيفٌ
وسيفك: زيفٌ
إذا لم تزنْ -بذؤابته- لحظاتِ الشرف
واستطبت- الترف
(5)
لا تصالح
ولو قال من مال عند الصدامْ..
ما بنا طاقة لامتشاق الحسام..
"عندما يملأ الحق قلبك:تندلع النار إن تتنفَّسْ
ولسانُ الخيانة يخرس
لا تصالح ولو قيل ما قيل من كلمات السلام
كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس؟
كيف تنظر في عيني امرأة..أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟
كيف تصبح فارسها في الغرام؟
كيف ترجو غدًا.. لوليد ينام
-كيف تحكم أو تتغنى بمستقبلٍ لغلام وهو يكبر -بين يديك- بقلب مُنكَّس؟
لا تصالح ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام
وارْوِ قلبك بالدم..واروِ التراب المقدَّس..
واروِ أسلافَكَ الراقدين..إلى أن تردَّ عليك العظام!
(6)
لا تصالح
ولو ناشدتك القبيلة
باسم حزن "الجليلة"
أن تسوق الدهاءَ وتُبدي -لمن قصدوك- القبول
سيقولون:ها أنت تطلب ثأرًا يطول
فخذ -الآن- ما تستطيع:قليلاً من الحق..في هذه السنوات القليلة
إنه ليس ثأرك وحدك،لكنه ثأر جيلٍ فجيل
وغدًا..سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً،
يوقد النار شاملةً،
يطلب الثأرَ،يستولد الحقَّ،من أَضْلُع المستحيل
لا تصالح ولو قيل إن التصالح حيلة
إنه الثأرُتبهتُ شعلته في الضلوع..إذا ما توالت عليها الفصول..
ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس) فوق الجباهِ الذليلة!
(7)
لا تصالحْ،
ولو حذَّرتْك النجوم
ورمى لك كهَّانُها بالنبأ..
كنت أغفر لو أنني متُّ..ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ.
لم أكن غازيًا،لم أكن أتسلل قرب مضاربهم
أو أحوم وراء التخوم
لم أمد يدًا لثمار الكروم
أرض بستانِهم لم أطأ
لم يصح قاتلي بي: "انتبه" كان يمشي معي..
ثم صافحني..
ثم سار قليلاً ولكنه في الغصون اختبأ!
فجأةً:ثقبتني قشعريرة بين ضعلين..واهتزَّ قلبي -كفقاعة- وانفثأ!
وتحاملتُ، حتى احتملت على ساعديَّ
فرأيتُ: ابن عمي الزنيم
واقفًا يتشفَّى بوجه لئيم
لم يكن في يدي حربةٌ أو سلاح قديم،
لم يكن غير غيظي الذي يتشكَّى الظمأ
(8)
لا تصالحُ..
إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة:
النجوم.. لميقاتها
والطيور.. لأصواتها
والرمال.. لذراتها
والقتيل لطفلته الناظرة
كل شيء تحطم في لحظة عابرة:
الصبا - بهجةُ الأهل - صوتُ الحصان - التعرفُ بالضيف - همهمةُ القلب حين يرى برعماً في الحديقة يذوي
- الصلاةُ لكي ينزل المطر الموسميُّ - مراوغة القلب حين يرى طائر الموتِ وهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرة
كلُّ شيءٍ تحطَّم في نزوةٍ فاجرة
والذي اغتالني:
ليس ربًا..ليقتلني بمشيئته
ليس أنبل مني.. ليقتلني بسكينته
ليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارتِهِ الماكرة
لا تصالحْ فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ.. (في شرف القلب)لا تُنتقَصْ
والذي اغتالني مَحضُ لصْ
سرق الأرض من بين عينيَّ والصمت يطلقُ ضحكته الساخرة!
(9)
لا تصالحْ
ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخْ
والرجال التي ملأتها الشروخْ
هؤلاء الذين يحبون طعم الثريدْ
وامتطاء العبيدْ
هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم
وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخْ
لا تصالحْ فليس سوى أن تريدْ
أنت فارسُ هذا الزمان الوحيدْ
وسواك.. المسوخْ!
(10)
لا تصالحْ
لا تصالحْ